فن الإلقاء
فن الإلقاء هو موهبة فطرية تصقل بالتدريب والتثقيف و التجريب لمخاطبة الناس مواجهة واستمالتهم ، وإقناعهم ، والتأثير فيهم ، وهذا التأثير لا تنعم به إلا فئة من الناس ، لأنه يحتاج لطائفة من الصفات والقدرات لا تتأتى لعامتهم ،
ومن هذه الصفات ؛
- صفات شكلية :
يستحسن بالخطيب أو الملقي عند مواجهة الناس أن يكون حسن االشكل ، بهي الطلعة ، جميل الصورة ،عظيم القامة ، ظاهر الهيبة ، حسن الهندام ، نظيف المظهر ، وإن لم يكن ذلك كله شرطا لازما إلا أن توافر مثل هذه الصفات تساعد الخطيب على نيل احترام الناس وتسهل مهمة إقناعهم .
- صفات صوتية :
الصوت آلة الخطابة وأساس المشافهة فيجب أن يخلو من العيوب النطقية كالحبسة واللثغة والتأتأة ..... الخ .
ويحسن أن يكون صوت الخطيب واضحا مسموعا جميلا ً دافئاً معبراً قويا غير مزعج ، قادراً على حمل المعاني يحافظ على حرارة العواطف ودفئ الكلمات ، مطواعاً يعلو وينخفض ويزمجر ويتهجد ، وضطرب ويتوحد وفق مقتضيات المقام .
- قدرات عقلية :
يجمل بالخطيب أن يتمتع بذكاء عالي ، يسعفه في اختيار أكثر المواضيع تأثيراً وملاءمة لموقفه ،
وأقوى الأساليب وأفضلها مناسبة للموضوع.
كما يعنيه ذكاءه على مواجهة الحشد ، والتمالك أمامه ، بقوة الحافظة وسعة الثقافة وروعة التمثيل والإستشهاد ، مما يشحن فيه سرعة البديهة وقوة الرد على شوارد الأسئلة ونوادر المفاجآت.
- قدرات تمثيلية :
يليق بالخطيب أن تتلائم حركاته ، وتعابير وجهه وملامحه وصوته مع مضمون كلامه ، فتأتلف كلها سلسة مساندة :
فإن خلص الموقف للحزن تابعت صوتاً يرق فيملأه الشجن ، وصفحة وجهه تفيض بالأسى ، وحركات بالأيدي تحفر أخاديد الوجه ليلتحم ذلك كله ، فيعصف بنفوس السامعين ويتحدى شجن الملقي بأشجان المتلقين.
وإن خصص الموقف للحماسة والغضب زأر الصوت وزمجر واستأسد الوجه وتنمر وتطاير الشر من العينين ولاح القتال في حركات اليدين .
وهكذا يكون لكل موقف أهبته وأهابه.
- صفات نفسية :
يرتقي بالخطيب أن يكون رابط الجأش واثقاً من نفسه بصيراً بنفسيات جمهوره فيخاطبهم على قدر عقولهم ، وبما يلائم مستوياتهم ونفسياتهم ، يخص كل منهم باهتمام خاص إذ يطوف بعيونهم ،
ويستنطقها مشعارهم ، فيلم بدوافعهم ورغباتهم ويلمح بذكاء متى يبدأ ومتى ينتهي ؟ متى يوجز ومتى يطنب ؟ متى يرفع صوته ومتى يخفضه ؟
إن وجد لديهم رضى وقبولا ألقى عصاه فأطال وأفاض ، وإن استشعر مللا ً داواه بالإيجاز والتنويع والترويح ، تتناغم كلماته على وقع نبضات قلوبهم تسرع فيلاحقها لهاث أنفاسهم ، وتتطباطأ لتفيء بهم إلى ثبات القرار ، يعلو الصوت فتتعلق به العقول وتنشغل به عن المشاغل ، وقد يذوب في نجوى يتعالى لها وجيب القلب فتتواثب المواجد والمواجع .
ومن العجيب أن الصمت أحيانا ً-إن جاء في وقته - يعد ، بصدق، أرقى درجات التأثير إذ يتجلل الخطيب بالمهابة وتذهب نفوس الناظرين كل مذهب ، وتتعطش للإستماع وتتوق لما قال وتستيقظ في أعماقها المكامن فيكون بذلك ترك الكلام أبلغ من الكلام إذا وقع عليه بصير بالنفوس، خبير بالأحوال .
- صفات خُلُقية :
ومن كمال تأثير الخطيب أن يكون حسن السيرة ، مرضي الأخلاق أفعاله صورة صادقة لاأواله فلا يدعوهم إلى السماحة وهو شحيح ،ولا يحثهم على التضحية والإيثار وهو عبد الانانية والأثره ، ولا يستدرجهم بقوله إلى الفضائل وهو بفعله منغمس في الرذائل ، فما أمقت أن يقول الإنسان مل لا يفعل !
إنه المقت الذي أكبره الله سبحانه وتعالى وهو يشنع على عباده هذا الإنفصام بين الاقوال والأفعال ، إذ قال عز من قائل : ( يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقت عند الله ان تقولو ما لا تفعلون ) صدق الله العظيم .
.....من قراءاتي.....
تحياتي لكم